أرى للروح بالبدن اتصالاً خَفيّاً لا تبين له رسوم
تطيف به الهواجس شاعرات وتعجز عن حقيقته الفهوم
فإن الروح للجثمان تلو به منها ومنه بها وسوم
يتم كلاهما هذا بهذا كذلك تمّ أمرهما القويم
فلا جسد يقوم بغير روح ولا روح بلا جسد تقوم
هما متلازمان فما لكلٍ بغير قرينه أبداً لزوم
لذلك كانت الأرواح منا بحيث تهي إذا وهتِ الجسوم
ولست أظنّ أن الروح تبقى إذا مُحيِت من الجسد الرسوم
وربَّتَما يكون لها دوام ولكنْ غير شاعرة تدوم
وما هبطت من الخضراء لكن من الغبراء أنبتها الحكيم
وأما هذه الأجسام منا فتبنيها الماكل والطعوم
وتُرويها المشارب والمحاسي وتذويها اللوافح والسموم
ويُوهِنها التقشَف والتضنّي ويحسنها التترّف والنعيم
ويعض من مطاعمنا غذاء تُحاك على العظام به اللحوم
وبعض من مطاعمنا وَقود تُديم به حرارتها الجسوم
له في جوف آكله احتراق تكون رَمادَه فيها الشحُوم
وللأرواح كالأجساد زادٌ به تنمو المشاعر والحُلوم
هو النَغَم الرقيق من المثاني هو الأدب الرفيع هو العلوم
فإن الروح تغذوها الأغاني ويجلو هَمها الصَوت الرخيم
ويصقلها الجمال إذا رأته وتصدئها القبائح والهموم
فلا تنفر بسمعك من غناءٍ به غنّتك شادية بغوم
ولا تترفَعنّ عن الملاهي ولو شهدتْ برفعتك النجوم
وكن في المُطربات فتىً طروباً فإن الناس أطربُها الكريم
وقف عند الحدود بلا تعدّ إلى ما ليس يحمده الحليم
ولا تشتطَّ في طرب ولهو فكلّ مُقارفٍ شَططاً ذميم
فإن وافقتني وجربت جَريي وإلا فاتَك الطبع السليم